ترامب يعيد تشكيل المعادلة السورية عبر استراتيجية الضربات الجوية المحكمة
شهدت سوريا موجة من الضربات الجوية الأميركية المكثفة، بأكثر من سبعين غارة استهدفت مواقع تنظيم داعش في عمق الأراضي السورية. هذه العمليات العسكرية، التي نُفذت بتنسيق مع السلطات السورية الجديدة، تعكس استراتيجية أميركية محكمة لإعادة تشكيل المشهد السوري.
استراتيجية الاستنزاف المتبادل
تمثل هذه الضربات نموذجاً واضحاً لإدارة الصراعات المعقدة عبر استغلال التناقضات الداخلية للجماعات المتطرفة. فبينما تتولى واشنطن العمليات الجوية الدقيقة، تنشغل الفصائل الأصولية بتصفية حساباتها الميدانية، في مشهد يختصر التحولات الجيوستراتيجية للمنطقة.
التنظيمان اللذان انبثقا من الخلفية العقائدية نفسها، داعش وما كان يُعرف بجبهة النصرة، باتا يتقاتلان على الأرض السورية، فيما تُدار المعركة الكبرى من السماء بالطيران الأميركي. هذا التطور يسجل نجاحاً استراتيجياً واضحاً لإدارة ترامب في تفكيك الخصم عبر تناقضاته الداخلية.
تحديات الاستقرار والأمن
رغم الانتصارات العسكرية الظاهرة، تبقى المخاوف الأمنية قائمة. تنظيم داعش لم يسقط فكرياً، بل تراجع عسكرياً فقط، مما يفتح المجال أمام احتمالات عودة العمليات الإرهابية والتفجيرات العشوائية.
الجماعات المنحدرة من تجربة النصرة تحاول إعادة التموضع كقوى "أكثر اعتدالاً"، لكنها لم تقدم قطيعة فكرية حقيقية مع الماضي المتطرف. هذا الواقع يجعل الصراع دائراً بين أشكال مختلفة من التطرف، وليس بين التطرف ونقيضه.
التداعيات الإقليمية والدولية
تعقد المشهد السوري لا يقتصر على الداخل. إسرائيل دخلت بقوة على خط المرحلة الجديدة، مطالبة بإنشاء منطقة عازلة تمتد من جنوب دمشق إلى جبل الشيخ، في محاولة لإعادة رسم الواقع الأمني في المنطقة.
من جانبها، تتعامل الولايات المتحدة مع هذا المشهد بـحذر استراتيجي. واشنطن أبقت على منع السياحة السورية إلى أراضيها، في إشارة واضحة إلى استمرار الشكوك الأمنية حول البيئة التي أنتجت التطرف.
قانون قيصر والعلاقات الاقتصادية
الحديث عن تخفيف قانون قيصر يبدو مرتبطاً بالعلاقة الأميركية السعودية، حيث تدخل الاستثمارات السعودية الضخمة كعامل مؤثر في تليين بعض المواقف، دون أن يصل ذلك إلى الثقة الكاملة بالنظام السوري الجديد.
هذا التموضع يجعل النظام الحالي في دمشق يتحرك ضمن هامش ضيق مرسوم أميركياً، كأداة وظيفية في مرحلة انتقالية مضطربة، مما يمنح واشنطن القدرة على ضبط الإيقاع دون الانخراط في حرب برية جديدة.
خلاصة استراتيجية
الضربات الأميركية اليوم ليست حدثاً معزولاً، بل عنوان لمرحلة كاملة تُدار فيها الفوضى بدلاً من إنهائها، وتُستخدم فيها تناقضات الأصوليين كأداة استراتيجية. نجحت واشنطن، وترامب تحديداً، في إعادة خلط الأوراق وفرض معادلة تجعل شركاء الإرهاب السابقين يقتلون بعضهم البعض، فيما تبقى الولايات المتحدة اللاعب الأكثر تأثيراً في المشهد السوري.