حرب رقمية عبر الأطلسي: واشنطن تهدد بعقوبات ضد أوروبا
دخل الصراع المتصاعد بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول تنظيم الاقتصاد الرقمي مرحلة جديدة من التصعيد، بعد أن لوحت واشنطن صراحة بفرض عقوبات وإجراءات انتقامية تجارية تستهدف شركات تكنولوجية وإعلامية وصناعية أوروبية كبرى.
صراع نفوذ اقتصادي عالمي
يرى الخبير الاقتصادي الفرنسي نيكولا بوزو أن ما يحدث "يتجاوز مجرد القوانين التقنية ليصل إلى صراع نفوذ اقتصادي عالمي"، مضيفاً أن التوتر يعكس صداماً بين نموذجين اقتصاديين وتنظيميين متباينين، في وقت يشهد فيه الاقتصاد الرقمي العالمي إعادة رسم قواعد اللعبة.
وأوضح بوزو أن "الولايات المتحدة اعتادت لسنوات اعتبار السوق الرقمية الأوروبية امتداداً طبيعياً لنفوذها، فيما يحاول الاتحاد الأوروبي اليوم استعادة سيادته الرقمية، وهو ما يفسر حدة الرد الأمريكي".
تهديدات أمريكية بعقوبات واسعة
تشهد الحرب التنظيمية بين واشنطن وبروكسل تصعيداً لافتاً، بعد أن أعلنت الإدارة الأمريكية أنها لا تستبعد اتخاذ إجراءات انتقامية ضد نحو عشرة من كبرى الشركات الأوروبية العاملة في السوق الأمريكية، في حال لم يقدم الاتحاد الأوروبي تنازلات بشأن تشريعاته الرقمية.
وتضم قائمة الشركات المستهدفة أسماء بارزة مثل ميسترال، بابليكيس، سبوتيفاي، إلى جانب ساب، كابجيميني، سيمنس و"دي إتش إل"، وجميعها تتمتع بحضور قوي في الولايات المتحدة.
ضغوط عمالقة التكنولوجيا الأمريكية
يأتي هذا التصعيد في سياق مواجهة مستمرة منذ أشهر، حيث تمارس شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة، خصوصاً مجموعة "غافام" (غوغل، أبل، فيسبوك/ميتا، أمازون، مايكروسوفت)، ضغوطاً مكثفة على البيت الأبيض لدفعه لإقناع الأوروبيين بتخفيف القيود التنظيمية المفروضة على القطاع الرقمي.
وأشار الخبير إلى أن الإدارة الأمريكية ذهبت هذه المرة أبعد من التصريحات الدبلوماسية، ملوحة علناً بإجراءات انتقامية اقتصادية وتجارية.
معركة السيادة الرقمية
وأكد بوزو أن تهديدات واشنطن بفرض عقوبات على الشركات الأوروبية لا يمكن قراءتها كخلاف تقني، بل كصدام استراتيجي حول السيادة الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين.
وأشار إلى أن المعركة تتجاوز الغرامات والقوانين، فهي تدور حول من يضع قواعد الاقتصاد الرقمي العالمي ويستفيد من قيمته المضافة الهائلة، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة عملت لعقدين في بيئة أوروبية "مفتوحة بلا مقابل".
موقف أوروبي متماسك
ورد الاتحاد الأوروبي على هذه الاتهامات مؤكداً أن تشريعاته الرقمية تطبق "بشكل عادل ومتساوٍ" على جميع الشركات، بغض النظر عن جنسيتها، وأن الهدف من هذه القوانين هو الحد من إساءة استغلال الهيمنة السوقية وحماية البيانات الشخصية.
وفي هذا السياق، اعتمد الاتحاد الأوروبي عام 2023 قانون الخدمات الرقمية، الذي يمنح المفوضية الأوروبية صلاحيات واسعة لفرض غرامات كبيرة على الشركات المخالفة. وقد سبق لبروكسل أن فرضت في سبتمبر الماضي غرامة قياسية قدرها 2.95 مليار يورو على غوغل.
تداعيات على التجارة العالمية
حذر الخبير من أن فرض عقوبات متبادلة قد يفتح الباب أمام "حرب تجارية رقمية" ستكون كلفتها مرتفعة على الطرفين، لكنه أكد في الوقت نفسه أن أوروبا "لم تعد في موقع الضعف السابق، بعدما باتت سوقاً منظمة وقادرة على فرض قواعدها".
وشدد بوزو على أن أوروبا لم تعد الطرف الأضعف في هذه المواجهة، فهي تمتلك اليوم سوقاً موحدة ضخمة، وقدرة تنظيمية مؤثرة، وتجربة أثبتت أن الغرامات والتنظيمات الأوروبية قادرة على تعديل سلوك الشركات العالمية.
