وداعاً محمد هاشم: ناشر ميريت الذي دعم الثقافة المستقلة والمقاومة الفلسطينية
برحيل محمد هاشم في ديسمبر 2024، فقدت الساحة الثقافية العربية أحد أبرز رموز النشر المستقل والملتزم بالقضايا الإنسانية. هاشم، مؤسس دار ميريت للنشر، لم يكن مجرد ناشر تجاري، بل مثّل نموذجاً فريداً للناشر المثقف الذي يؤمن بدور الثقافة في التغيير الاجتماعي والسياسي.
مسيرة استثنائية في عالم النشر
على مدار 27 عاماً، بنى هاشم إمبراطورية ثقافية متميزة، حيث ركز على نشر الأعمال الفكرية والإبداعية غير التجارية، خاصة الشعر والقصة القصيرة. وفي وقت يتجنب فيه معظم الناشرين الخاصين الأعمال السياسية تجنباً للمشاكل، كان هاشم يتصدى لهذا النوع من المؤلفات بشجاعة نادرة.
كان التزامه بالقضية الفلسطينية واضحاً من خلال حرصه على نشر الأعمال المتعلقة بفلسطين، وقد توفي وهو يعد مختارات للشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم، مما يعكس عمق انتمائه للقضايا العربية المحورية.
من الصحافة إلى النشر المستقل
بدأ هاشم مسيرته صحفياً مشتبكاً مع الواقع السياسي، وفي عام 1979 اعتقله نظام السادات بتهم الانتماء للحركة الشيوعية ومحاولة قلب نظام الحكم. بعد خروجه من السجن، سافر خارج مصر لمدة 12 عاماً، قبل أن يعود ليؤسس دار ميريت التي اختار اسمها تيمناً بالحضارة المصرية القديمة، حيث ميريت ترمز للجمال والحب.
دور رائد في الحراك الديمقراطي
لم يكتف هاشم بالنشر فحسب، بل شارك بفعالية في الحراك السياسي والاجتماعي. ساهم في دعم ثورة يناير 2011 من خلال استضافة الاجتماعات وصنع اللافتات في مقر داره، كما دعم حراك 30 يونيو 2013، مؤكداً إيمانه بالتغيير الديمقراطي والمشاركة المدنية.
حصل هاشم على جائزة "هيرمان كستن" من نادي القلم الألماني، والذي وصفه بأنه "كالجنود خلف أكياس الرمل"، في إشارة لدوره الرائد في الدفاع عن حرية التعبير والنشر.
إرث ثقافي متميز
رغم التحديات الكثيرة التي واجهها، من مصادرة الكتب إلى إغلاق الدار أحياناً، ومن ترك المقر المعروف في شارع قصر النيل إلى منعه من المشاركة في معرض الكتاب، ظل هاشم مثابراً في مهمته الثقافية.
تميزت دار ميريت بأغلفة اللباد المبتكرة واللافتة، والتي أصبحت علامة مميزة في عالم النشر العربي، وألهمت العديد من الناشرين الآخرين لتطوير هويتهم البصرية.
نشر هاشم لكبار المفكرين مثل شاكر عبد الحميد ونبيل عبد الفتاح، كما اكتشف مواهب جديدة صارت فيما بعد أسماء لامعة في الأدب والفكر. وكان معروفاً بتسامحه مع الكتّاب الذين بدؤوا معه ثم انتقلوا لدور نشر أخرى عندما لمع نجمهم.
برحيل محمد هاشم، تفقد الثقافة العربية أحد أهم دعائمها، ناشراً آمن بأن "العشاق ينتصرون أحياناً"، وترك إرثاً ثقافياً غنياً يشهد على التزامه بالقيم الإنسانية والديمقراطية.